الأحد، 30 نوفمبر 2014

وشاية




دلالة الوشاية في القرآن الكريم
لم يرد في القرآن الكريم الجذر اللغوي للفظ الوشاية، و إنما جاءت آيات قرآنية لها صلة أو علاقة بمصطلح الوشاية، من ذلك
1- قوله - تعالى -: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ القلم: 11
قال الرازي: كونه همازًا و هو العيَّاب الطعَّان، قال المبرد : الذي يهمز الناس  أي: يذكرهم بالمكروه ... كونه مشاء بنميم أي : يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم .

2- قوله - تعالى -: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾الهمزة: 1
قال الرازي بعد أن ذكر سبعة أقوال في تفسيرها : و أعلم أن جميع هذه الوجوه متقاربة راجعة إلى أصل واحد و هو الطعن و إظهار العيب.

 3- قوله - تعالى -: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ التحريم: 10.

قال الرازي في تفسيره : ما كانت خيانتهما؟ نقول: نفاقهما و إخفاؤهما الكفر، و تظاهرهما على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه : إنه مجنون، و امرأة لوط كانت تدلُّ على نزول ضيف إبراهيم، و لا يجوز أن تكون خيانتهما بالفجور، و عن ابن عباس : ما بغت امرأة نبيٍّ قط.

4- قوله - تعالى -: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ المسد: 4

قال الرازي في تفسيره :  و ذكروا في تفسير كونها حمالة الحطب و جوهًا... و ثانيها: أنها كانت تمشي بالنميمة، يقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس : يحل الحطب بينهم؛ أي: يُوقِد بينهم بالنائرة...

5- قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ الحجرات: 6.

سورة الحجرات فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق و هي إما مع الله، أو مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو مع غيرهما من أبناء الجنس، و هم على صنفين لأنهم إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين و داخلين في رتبة الطاعة أو خارجين عنها و هم الفاسقون، و الداخل في طائفتهم السالك لطريقتهم إما أن يكون حاضرًا عندهم أو غائبًا عنهم

في بلدية أنصفني و في موريتانيا يتمنى المثل الشعبي أن تأكل الأرضة فم الواشي فم الكّرظة توكلو لرظة

 الواشين  قعدوا عند حجر بن عدي و وشوا بامرئ القيس.  و مشوا إلى النعمان بن المنذر و وشوا بالنابغة الذبياني.  و وشوا بمعن بن زائدة و الإفشين و وشوا بالبرامكة و وشوا بابن شهيد و بزرياب و ابن هانئ الأندلسي و بمحمود سامي البارودي و بأحمد شوقي و برشيد مصوبع، يفرقون بين المرء وزوجه.

 الوشاية وسيلة المجتمع لرد المارقين إلى الحظيرة.  و لذلك تمّ تأسيسها وسيلة بين المجتمع و الأب لتربية الأبناء. فالمجتمع لا يعتبر تربية الأب لأبناءه مسألة أسرية، بل هي مسألة عائلية و عشائرية.

الوشاية تيمة عربية. و لها أصول و فروع في بلاطاتنا و حريمنا و سياساتنا. و قد أنتج هذا متفرغين اجتماعياً لمراقبة التصرف و هؤلاء وشوا بكل متميز ليس عند الآباء القريبين، بل ورائهم إلى الآباء الفوقيين : السلطة. و من هنا تمّ سك تحالف بين الواشين و السلطة. و سيعرف الواشون لاحقاً بالجواسيس.

و لم يختفِ صوت العاذل و الواشي إلا مع ظهور الفردانية. و نجح العصر الرومانسي في تحويل الوشاية إلى حدث ربيعي، زاهر، و باسم، و خالِ من الألم.
 و لعلّ نزار قباني آخر من أودع الوشاية تابوت شعره فمعه تتحول الوشاية إلى زقزقة و فرصة لمشاهدة الحب، و ليس لعقابه.
 و لحس حظنا غنته فيروز
أأنت الذي ياحبيبي  نقلت لبيض العصافير أخبارنا
 فجاءت جموعاً تدق مناقيرها الحمر شباكنــــــــا؟

و كامرئ القيس، رفض الحيدري أي وصاية من عمه، و لكنه بعكسه عاش فقيراً في الشارع، و هرب إلى لبنان ثم إلى لندن. و في مصر الملكية رفض الشاعر البائس، عبد الحميد الديب، سلطة الإكليريكة و عاش متسكعاً في شوارع القاهرة، ملتحفاً السماء و مرمياً على البلاط الأسفلتي، مثله مثل الشيخ الأزهري حسن الطويل الذي أعطى نفسه للمقاهي و التشرد.

 مقتطفات من بحث عن دعوى الوشاية الكاذبة و مقال منقول عن مدونة الكاتب الموريتاني عباس أبراهام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق